فاجأتني بضع كلمات في لقطة من مسلسل الملك فاروق، يقول الملك فاروق فيها في بوح خاص لأمه الملكة نزلي: أن زوجته الملكة فريدة لم تكن تشعر بالغيرة عليه حين اعتقدت بخيانته لها، بل كانت تغير على كرامتها.
لا أعرف إن كانت تلك الكلمات من إبداع كاتبة نصوص المسلسل، أم أنها فعلا كانت ما تلفظ به الملك المصري الشاب في ذلك الموقف . لكن قلة هم الرجال الذين يعون أن الغيرة هي إحدى مرايا كبرياء الأنثى. فمعظم الرجال يعتبرون الغيرة نتيجة طبيعية للحب، وأنها اثبات لرغبة المرأة في تملك من تحب لنفسها فقط.
لكن حقيقة الأمر هي أن المرأة تحب من يحبها، وتكبر قيمته في حياتها ؟وبالتالي الرغبة في تملكه لنفسها ؟فقط إذا كانت تعلم جازمة أنه يحبها لا سواها، وأنه يتذكرها ويتذكر حبها حتى إذا تعرض للإغواء من أخرى. وبذلك فإن النتيجة الطبيعية هي أن تشعرها علاقتها به بقيمة ذاتها. يعني أن حبه لها أصبح ذا قيمة لأنه أشعرها بقيمتها.
إن غضب الملكة فريدة عند شكها بعلاقات تربط زوجها بغيرها لم يكن غيرة أبدا. بل أنها على الأغلب غضبت لذاتها، وليس لخسارة زوجها. ولو استطاع الرجل أن يبلغ من الوعي العاطفي أن يعلم أنه يقتل حب المرأة له عندما يفكر في غيرها لكان فكر ألف مرة قبل أن يدخل فيما يمكن أن يشتبه به ؟ ولو من بعيد ؟أنه علاقة بأخرى. هذا بطبيعة الحال تحت فرضية أنه يقدرها ويقدر حبها له. لأن حدوث مرة واحدة من اشتباه الخيانة ؟ ناهينا عن ثبوت وقوعها ؟ هو كسر لا يمكن إصلاحه أبدا. فالمرأة مكتملة العاطفة تحب بعاطفة كاملة.
مما يعني أنها عندما تتلقى ضربة الوعي الأول بأن موضع حبها من الممكن أن ينظر بعيدا عنها بكل سهولة وتحت أبسط الإغراءات، فهي عندها أيضا تتلقى ضربة الوعي بأنها أخطأت خطأ جسيما بأن سمحت لنفسها بهذا الوهم أصلا.
الوهم بأن هناك من يستحق العاطفة الكاملة بكل ما يأتي معها من وفاء وإخلاص متناهيين ، وعطاء جزيل بلا حساب، وحنان أموميّ تغدقه صمتا وجهارة، وصداقة صدوقة. وحياة الملكة المصرية مع زوجها بعد تلك الحادثة هي أكبر مثال على أن ردم ما تشقه الخيانة مستحيل. لأن الرجل بعد تلك النقطة يصبح عامل تنفير في تلك العلاقة، فهي لم تنس له أنه يستطيع نسيانها في لحظة ترك فيها نفسه لهواها، ولن تنسى بعدها أنه هكذا: لايستحقها. الأغبياء فقط من الرجال يتعمدون إثارة غيرة المرأة، معتبرين أن حدوث الغيرة يشعل فتيل الحب إن كان ذبل، فهم لا يعلمون أنهم بذلك موهومون بأن غضب المرأة حب، بل هو ثورة كبرياء.
والأغبى من أولئك هم من يعتقدون أن الحب من الممكن أن يرجع كما كان بعد ثورة الكبرياء، لأنهم يجهلون أن انتفاض كبرياء المرأة يقتل حبها. ومن المؤسف أن يلتقي محض الغباء بكمال العاطفة.